الخريف المسافر

الخريف المسافر

لقد ملَّ الإنتظار على تلك الشرفات فنزل بأقدامه المرتجفة على سلالم الرياح المتأرجحة
تساقط ورقة تلو الأخرى لقد قرر الرحيل
هجر الأغصان اليابسة تركها لتتكسر تحت الأسواط الموجعة
لم يبقى سوى الظلام الذي لفح بجناحه زوايا المدينة وأزقتها
أضواء المدينة المصفرة كانت تحاول جاهدة أن تشق طريقها في غربة الليل
ليكون وقعها على الرصيف الرمادي مسرحا ً تتراقص عليه حبات المطر
سيل الماء كان يسير بجوار الرصيف هادئا ًًًًًًًًًًً يلملم ما تناثر من حقائب الخريف المسافر
كان يحاول جاهدا ًً أن لا ينسى شيئا ً عسى ما جمعه يعزيه في وحدته
أما عبق الأرض فكان يمتزج بالهواء البارد محاولا ً أن يخلق فيه شيئا ً من الحياة شيئا ً من الدفء
الهدوء يفرش ظله فوق كل شيء
وخلف تلك النوافذ كانت شمعته لاتزال تتقد
كأنما تحرق في إشتعالها بصيص الأمل الذي رسمه من حوله كي لا تقتله وحشة المكان
تهرب نظراته من النافذة إلى الأفق البعيد ليعترضها القمر الذي تكالبت عليه الغيوم لتخفيه
كان رأسه ممتلئ بالخواطر ونفسه تضج وتتخبط بالآهات
والصور الجميلة المعلقة في جدران مخيلته تتساقط واحدة تلو الأخرى
لقد تصدعت الجدران ولم تعد قادرة على حمل شيء
ووسط كل هذا الدمار في داخله كانت روحه تحاول الهرب
تنسل ببطئ كي لا يراها أحد لقد ملت البقاء في سجنها الضيق المعتم
وبنظرة ملؤها الدموع رأى كل ما حوله
أدرك أنه لوحده هو فقط
وها هي النار تبتلع نفسها لتنطفئ الشمعة ويسود الظلام
ويختفي النور ليرحل مع الخريف المسافر.........