الشعر النبطي
الشعر النبطي ويسمى أيضاً القصيد هو الشعر العربي المنظوم بلهجات الجزيرة العربية وما جاورها، خصوصاً فيما يسمى اليوم بالسعودية ودول الخليج العربي، وبين أهل البادية في الأردن وسوريا وليبيا وتونس.
الشكل
الشعر النبطي يراعي الأنماط التقليدية للشعر العربي من حيث الشكل العمودي والالتزام بقافية واحدة على طول القصيدة، كما يستخدم ذات الأوزان العروضية المستخدمة في الشعر الفصيح أو أوزان أخرى مشتقة منها، وإن كان أصحاب هذا الشعر يعرفون تلك الأوزان بأسماء أخرى. كما تضيف الكثير من القصائد النبطية المتأخرة قيداً إضافياً وهو الالتزام بقافية واحدة للشطر الأول من كل بيت وليس الشطر الثاني فقط كما في الشعر الفصيح، مثلاً:
يا ونّـةٍ ونّيتـها مـن خـوا الـراس من لاهـبٍ بالكبـد مثـل السعيـرهْ
ونين من رجله غـدت تقـل مقـواس و يونّ تالـي الليـل يشكـي الجبيـرهْ
و على الرغم من كونه منظوماً باللهجة المحكية إلا أنه يكثر في الشعر النبطي الاعتماد على مفردات فصيحة، ويكون ذلك عادة تلبيةً لضرورة الوزن (مثل قول "الذي" و"التي" بدلاً من "اللي")، وأحياناً لدعم المعنى، والواقع أن الاختلاف الجوهري بينه وبين الشعر الفصيح يكمن في التخلي عن علامات الإعراب في أواخر الكلمات ونطق بعض الحروف، وليس في التراكيب والصرف والمفردات التي لا تزال تشابه الفصحى إلى حد كبير (انظر لهجة نجدية).
و على الرغم من طبع عدد من الدواوين النبطية في السعودية والخليج في القرن الماضي، إلا أن الشعر النبطي في الأساس شعر مسموع وصل أكثره إلينا عن طريق الرواية والإلقاء بشكل مشابه للشعر العربي في الجاهلية وصدر الإسلام، ولا يزال الاستماع وليس القراءة هو الطريقة المثلى لتلقّي الشعر النبطي لدى المهتمين به.
المضمون
الشعر النبطي حتى أوائل القرن العشرين يكاد يكون امتداداً لشعر العرب في الجاهلية وشعر أهل البادية في صدر الإسلام، فيكثر فيه استخدام المقدمات الغزلية التي تؤدي بعد ذلك إلى موضوع القصيدة الرئيسي من فخر أو مدح أو حكمة أو نصح، أو وصف، وبدرجة أقل، الهجاء. ويكون أكثر ما يشابه الشعر القديم حينما يحكي عن مفاخر القبيلة وبطولات فرسانها ووقائعهم.
أما في الوقت الحالي فقد تخلى عن الكثير من المفردات الأكثر صعوبة، محاكياً بذلك التبسيط والتشذيب الذين لحقا باللهجات البدوية والنجدية عموماً، وأصبح أكثر مشابهة للشعر العامي في البلدان العربية الأخرى. ولأنه هو اللون السائد في الأغاني التجارية في منطقة الخليج العربي، فقد أصبح الغزل يشغل القسم الأكبر من الشعر النبطي في الوقت الحالي، ولكن هذا لا يعني أن الشعر النبطي بصورته التقليدية لم يعد له من ينظم به.
تاريخ الشعر النبطي
الرواية التقليدية بين رواة الشعر النبطي تقول إن أول من قال الشعر النبطي هو الشخصية شبه-الأسطورية أبو زيد الهلالي المفترض وجوده بين القرنين الثاني والرابع الهجريين (الثامن والعاشر الميلاديين)، ولكن ليس لهذه الرواية سند علمي. أما أول ذكر للشعر باللهجة الدارجة فيأتي من الشاعر العراقي الفصيح صفي الدين الحلي في القرن الرابع عشر والمؤرخ ابن خلدون في القرن الخامس عشر، إلا أنهما لا يذكرانه باسم "الشعر النبطي." أما أقدم النماذج الشعرية فمقطوعة من بضعة أبيات لشاعرة من بادية حوران أوردها ابن خلدون في المقدّمة، ثم بضع قصائد لأبي الحمزة العامري من أهل القرنين السابع والثامن الهجريين. وهي في معظمها على اللحن الهلالي (ويقابل بحر الطويل) وبحر الرجز.
وبعد ذلك تأتي قصائد شعراء الدولة الجبرية في شرق الجزيرة العربية ووسطها، ومن هؤلاء جعيثن اليزيدي من أهل الجزعة بوادي حنيفة، الذي عاش في القرن السادس عشر الميلادي، والشاعر عامر السميّن. ثم ترد قصائد جبر بن سيار أمير بلدة القصب وابن أخته رميزان بن غشام التميمي أمير روضة سدير، وقصائد أخيه رشيدان بن غشام، وهم جميعاً من أعلام القرن الحادي عشر الهجري (السابع عشر الميلادي). وقد تركوا قصائد ثمينة ليس فقط من الناحية الأدبية واللغوية وإنما أيضاً من الناحية التاريخية لذكرها العديد من الأحداث والوقائع في الفترة التي سبقت ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وآل سعود في نجد. وفي هذه الفترة على الأرجح عاش أحد أشهر الشعراء على الإطلاق راشد الخلاوي، الذي يذهب البعض إلى أنه من أهل القرن العاشر الهجري (الخامس عشر الميلادي)، وآخرون إلى أنه عاش إلى النصف الأول من القرن الثاني عشر الهجري، واشتهر بالقصائد المطوّلة المعنية بالأنواء وعلم الفلك والحساب والألغاز.
ظهر في القرن التالي (الثاني عشر الهجري) اثنان من أهم أعلام الشعر النبطي وهما حميدان الشويعر في القصب، واشتهر بقصائد النصح والحكمة التي لا زالت دارجة إلى اليوم لتقيدها بالأوزان القصيرة، بالإضافة إلى القصائد السياسية وقصائد الهجاء، ومحسن الهزاني في الحريق، الذي اشتهر بالشعر الغزلي وأدخل المحسّنات البديعية في الشعر النبطي. ويقال إن للهزاني دور انتشار القافية المزدوجة. ومن شعراء هذه الحقبة نمر بن عدوان من قبائل البلقاء في الأردن، وتوفي سنة 1238 هـ (1823 م).
و من أشهر شعراء النبط الآخرين في تلك الفترة محمد بن لعبون الذي سار على منوال الهزاني، بالإضافة إلى تركي بن حميد شيخ قبيلة عتيبة في القرن التاسع عشر، وراكان بن حثلين شيخ قبيلة العجمان، وبديوي الوقداني من نواحي الطائف، ومحمد العبدالله القاضي من أهل عنيزة، وعبد الله بن رشيد أمير حائل وأخيه عبيد. وفي هذا القرن تظهر مخطوطات الشعر النبطي كالتي حاز عليها الرحالة الفرنسي شارل هوبير. وقد اتسم هذا القرن بغزارة الإنتاج الشعري وانتشار بحر المسحوب (مستفعلن مستفعلن فاعلاتن)، الذي صار أشهر بحور الشعر النبطي. وفي نهاية هذا القرن وبداية القرن العشرين ظهر الشاعر محمد العبدالله العوني، ويعدّه البعض آخر شعراء النبط الكبار، كما ظهر في هذه الفترة الشاعر عبد الله بن سبيل الذي اشتهر بشعر الغزل.
استمر الشعر النبطي في القرن العشرين وبدأت محاولات تدوينه أو تسجيله حفظاً لما تبقى منه من الضياع، وأشهر الدواوين التي ظهرت في هذه الفترة "ديوان النبط" لخالد الفرج (1371 هـ - 1952 م)، الذي جمعه بناءً على توجيه وزير المالية السعودي عبد الله بن سليمان، و"خيار ما يلتقط من شعر النبط" الذي جمعه خالد الحاتم (1372 هـ). وظهر في هذا الفترة شعراء مجددون وآخرون حاولوا الالتزام بنهج الشعراء الأولين في فترة زاد فيها تأثر الشعر النبطي باللهجات الأخرى وتم تبسيطه وفقد كثيراً من جزالته.
لا يزال للشعر النبطي شعبية كبيرة في السعودية ودول الخليج العربي، وتوجد عدة مجلات لما يسمى بالشعر الشعبي، كما أقيم في عام 2007 برنامج تلفزيوني للمنافسة بين الشعراء الشباب أطلق عليه شاعر المليون لاقى رواجاً واسعاً في المنطقة وفي الجنوب التونسي تقام التظاهرات والمهرجانات الشعببة للأحتفال بالشعر النبطي أو شعر القسيم كما يسمى في البادية التونسية.